صحيفة الوحدة ورؤيتها للصحافة

تعد جريدة الوحدة من الصحف القليلة التي اتخذت طريقًا مختلفًا وهو طريق التوعية الشاق: التوعية بالصحافة، أهميتها، بدايتها، ومحاولة إعطاء الجمهور فكرة جيّدة عن النشاط الصحفي الفلسطيني. كيف كان ذلك؟

لا شك أن مصلحة الصحف الفلسطينية كانت دومًا تسويق ذاتها، لنجاح مشروعها وزيادة إيراداتها وتعزيز حضورها. وقد كان ذلك يتم دومًا من خلال الاعلانات، أو من خلال الكتابة في مواضيع مثيرة ليزيد اقبال الجمهور عليها. لكن جريدة الوحدة  – الصادرة في القدس لمحررها اسحاق عبد السلام الحسيني – من الصحف القليلة التي اتخذت طريقًا مختلفًا وهو طريق التوعية الشاق: التوعية بالصحافة، أهميتها، بدايتها، ومحاولة اعطاء الجمهور فكرة جيّدة عن النشاط الصحفي الفلسطيني خلال العقود الأربعة الأخيرة.

                                                              جريدة الوحدة، 23 شباط 1946​

قامت جريدة الوحدة بإثارة النقاش حول الصحف المحليّة، ومحاولة القاء الضوء على نشاطات الصحف وكم الجهد الذي بذلته كل صحيفة. الوحدة تذكر وبشكل واضح لهذا الاهتمام، فهي ترى بالصحافة سلطة، فالأمن والاستقرار والسلم والحرب وكل ذلك متوقف على الرأي العام والرأي العام يتخذ مواقفه من الصحافة التي تساهم في تشكيله، فهي بمنزلة الاستاذ الأكبر للشعب، والذي يستمع لكلامها وعليه فعلى الصحافة كما الأستاذ أن تسهل المعرفة للناس، وأن تنقلها اليهم حيثما كانوا.

                                                              جريدة الوحدة، 23 شباط 1946

من هنا تأتي أهميّة هذه التغطية أو المسح الشامل للصحف، كمحاولة لاطّلاع الجمهور على واقع الصحف، تعزيزها، وتعزيز حضورها بين الناس، اضافة لخلق اجماع بين الناس، ان رؤية قراءة لكيفية تعريف صحيفة الوحدة بجريدتي فلسطين والكرمل مثلًا يظهر بعض هذه الرسائل حين يتم تصوير رياديتهما، نضالهما في نقل الحقيقة، وخلق روح الاعتزاز لدى القراءة مثلًا حين يتم الحديث عن جريدة فلسطين كأوّل جريدة فلسطينيّة يوميًّا والتي تقرأ أيضاً خارج البلاد حيث تصل أعدادها بالطائرة إلى بيروت وبلاد أخرى وفي مواضع أخرى يقول “لا يستولي عليك الذهول عندما أقول لك بأننا سنشتري بعد وقت قريب طائرة خاصة بجريدة فلسطين”.

                                                               جريدة الوحدة، 23 شباط 1946

                                                                 جريدة الوحدة، 23 شباط 1946

لم تستكف الوحدة بذلك فقط بل ناقشت ضرورات صحفيّة ارتأت أن المجتمع الفلسطيني في البلاد يحتاجها، وبالتالي فان صحيفة الوحدة بذلك، تعمل على تعزيز الماضي وأيضًا على المستقبل، من قبل الحث وفتح النقاش على إصدار جريدة باللغة الانجليزيّة.

                                                               جريدة الوحدة، 23 شباط 1946

استكتبت كتابًا للحديث حول تاريخ الصحافة الفلسطينية، كان من بينهم الأديب والمؤرخ الفلسطيني عارف العارف والذي لمع نجمه بين الفلسطينيين كأحد الوجوه الثقافيّة البارزة، حيث تحدّث في مقاله عن الصحافة العربية ونشاطاتها ودورها كما قدم توصيته لمن يريد الاشتغال بهذه المهنة متنبّهًا لواقع الصحافيّين وارتهان النقد الموضوع لرأسمال حيث يضطر الصحفي لغض البصر عن جهات بعينها إن كانت تمول الصحيفة أو تدعمها.
                                                              جريدة الوحدة، 23 شباط 1946

تجلّت أيضًا محاولات نشر الوعي الصحفي من خلال مقالات تحاول اعطاء تعريف دقيق لمعنى الصحافة، ان مقالة “كيف تصبح صحافيًّا ناجحًا” لا تهمنا فقط على مستوى أهميّتها في التوعية بقدر ما تعطينا تفاصيل دقيقة عن فلسفة الفلسطينيين لمفهوم الصحافة، في تشديدها على البساطة في توصيل الفكرة، والأسلوب السلس الطريف، والأهم هو في المسؤوليّة الاجتماعيّة التي يجب على الصحفي أن يتحلى بها، والاختصار قدر المستطاع.

                                                                جريدة الوحدة، 23 شباط 1946

إن جريدة الوحدة في عددها هذا من عام 1946، تعكس مستوى جيّد من النهضة الصحافيّة التي وصلها الفلسطينيّون، من خلال تقديمها مسحًا للصحف الفلسطينيّة ومضاي بعضها، دراسات لإشكاليّات الحاضر، توعية للصحافيين وتوجيهات كيف يكونوا صحفيين ناجحين، دعوة لسد النقص في بعض الجوانب كاللغة الانجليزيّة، ثم وبأسلوب جميل دعوة القراء أنفسهم للمشاركة في استطلاع رأي حاولت الصحيفة من خلاله فهم أنماط القراءة والاهتمام لدى قراءها، وهو ما يعكس مسؤولية صحفية حقيقية.
                                                                جريدة الوحدة، 23 شباط 1946

لا شكّ أنّ جريدة الوحدة ليست عمليًّا دلالة على نهضة فرديّة بقدر ما هي انعكاس لتفاعل مجتمعيّ مع الصحافة واهتمام ملحوظ شارك فيها الكثيرون، وبالتالي فإنّ تطوّرها هو تطوّر وعي كامل بأهميّة الصحافة بدأ مع بدايات القرن العشرين ووصل إلى ذروته في الأربعينيّات. في صفحتيها السادسة والسابعة تدرج الوحدة قائمة بأسماء عشرات الجرائد والمجلاّت الفلسطينيّة منذ صدورها حتى لحظة صدور جريدة الوحدة، مراجعة عناوين الصحف هذه وأعدادها وأماكن صدورها يدل على انتشار الصحف على امتداد البلاد وعلى مشاركة جمعيّة هائلة وتنوع في الموضوعات والقضايا.

                                                                 جريدة الوحدة، 23 شباط 1946

قد يكون البحث التاريخي مهمًّا في الصحافة الفلسطينيّة، لكن هذا العدد من جريدة الوحدة يحمل أهميّة، خاصّة أنّه يوفّر معلومات أوليّة غاية في الأهمية، ويوفر لنا نظرة عميقة، إنّها دراسة تاريخ الصحاف​​ة من خلال الصحافة وهي مهمّة ستحتاج الكثير من الباحثين لدراسة الصحف وما حملته من معلومات لقراءة جديدة في التاريخ.

 

 

“عرب إسرائيل يتفلسطنون”- نظرة الصحافة الإسرائيلية إلى ذكرى يوم الأرض

نظرة إلى عينة من أخبار الصحافة الإسرائيلية في كيفية تعاملها مع أحداث يوم الأرض خلال سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي

يسعى هذا المقال إلى إظهار ردود الافعال في الصحافة الإسرائيلية وكيف كان تعاملها مع ذكرى يوم الأرض خلال فترة نهاية السبعينيات وعقد الثمانينيات من القرن الماضي. ويمكن تلخيص هذه السياسة من خلال شقين؛ إما الهجوم المبطن والتحذير من الهوية الفلسطينية المتجذرة ضمن صفوف المواطنين العرب في إسرائيل أو محاولة نقل الأخبار بطريقة هامشية بعيدة كل البعد عن محاولة إضافة الشرعية على المتظاهرين أو تحقيق العدالة للضحايا منهم.

ذكرى يوم الأرض

في الثلاثين من آذار عام 1976، وكرد فعل على القرار الذي صدر في صيف 1975 والذي نصّ على مصادرة ما يقرب الـ 20 ألف دونماً من أراضي منطقة رقم 9 التابعة لبلدة عرابة، سخنين ودير حنا وذلك لصالح مشروع (تطوير الجليل)، انطلقت المسيرات العامة والتظاهرات التي جابت غالبية القرى العربية في الجليل والمثلث والنقب؛ ابتداءً من قرية عرّابة (اليوم أصبحت مدينة) والتي سقط فيها أول ضحية وهوالشاب خير ياسين، ومن ثم استعرت التظاهرات إلى باقي القرى والمناطق، وسقط المزيد من الضحايا حتى وصل عددهم إلى 6:

خديجة قاسم شواهنة، رجا حسين أبو ريا، خضر عيد محمود خلايلة، محسن حسن سيد طه، رأفت علي زهدي وخير ياسين.

أدّى سقوط الضحايا برؤساء المجالس المحلية إلى رفع مذكرة إلى حكومة إسحق رابين (رئيس الحكومة آنذاك) مطالبين بالعدل والمساواة وذلك من أجل إنشاء لجنة تحقيق في أحداث يوم الأرض.

 

صحيفة معاريف- “يوم الأرض- إشارة على عملية فلسطنة عرب إسرائيل”

                         صحيفة معاريف، 2 نيسان 1976

بتاريخ 2 نيسان 1976، نشرت صحيفة معاريف مقالًا صحفيًا تلقي فيه الضوء على أحداث يوم الأرض. ولا بد أن نقول بأن العنوان “عرب إسرائيل يتفلسطنون” هو عنوان ليس بالصادم بوقتنا الحالي (بالنسبة للصحافة الإسرائيلية)، لكن عند العودة إلى عام 1976، وذاك التاريخ لم يكن بالتاريخ البعيد عن فترة انتهاء الحكم العسكري الذي تم فرضه على المناطق العربية حتى عام 1966، والذي فيه تمت محاولات محو واقتلاع جذور الهوية الفلسطينية (بشكل مباشر وغير مباشر)، لم يكن لدى الوعي والحيز الإسرائيلي أي استعداد لتقبل الهوية الفلسطينية للمواطنين العرب في البلاد. وهذه أحد الأمور التي قام يوم الأرض بكسرها وأحدث فيها مفارقة كبيرة لا تزال آثارها متوهجة حتى يومنا هذا.

بالعودة إلى مقال صحيفة معاريف بقلم “إيلي ريخس” الذي كان باحثًا في معهد شيلوح، قامت الصحيفة بإطلاق تسمية “الشباب” على المتظاهرين وبالتحديد على صورة التقطها المصور شموئيل رحماني “24 بلوس” لمتظاهرين من منطقة المثلث.

في مقدمة المقال، يقوم الكاتب بتقديم يوم الأرض- من وجهة نظر القوى الأمنية الإسرائيلية- بكونه “إشارة مركزية على التطرف الموجود والمتواصل تجاه إسرائيل منذ حرب الأيام الستة (حرب حزيران عام 1967)، وبأن انهيار الفواصل بين العرب “إسرئيل” و عرب “المناطق” (العرب الموجودين بالمناطق المحتلة) أدى إلى تجديد العلاقة مع الهوية الفلسطينية بعد انقطاع دام أكثر من 17 عامًا نتيجة حرب الاستقلال (حرب عام 1948)”.

لتصفح المقال الكامل باللغة العبرية اضغطوا هنا

صحيفة دافار- رفض رسمي لإقامة لجنة تحقيق لأحداث يوم الأرض

  صحيفة دافار، 18 نيسان 1977

بتاريخ 18 نيسان 1977، نشرت صحيفة دافار خبرًا مفداه رفض الحكومة عرض الوزيرين فيكتور شيم- توف وموشيه كول لإقامة لجنة تحقيق وزارية في أحداث يوم الأرض بقرى المثلث- جت وباقة الغربية. وكان هذا الرفض الرسمي بشكل قاطع لا رجعة فيه. تعود حيثيات عرض إقامة لجنة وزارية إلى لقاء بين ممثلين القرى المذكورة مع الحكومة والذين طالبوا فيها بإقامة لجنة التحقيق المذكورة.

لتصفح المقال الكامل باللغة العبرية اضغطوا هنا

صحيفة معاريف- “ما هو يوم الأرض؟”

                       صحيفة معاريف، 2 نيسان 1989

بتاريخ 2 نيسان 1989، بعد أكثر من 13 عامًا على أحداث يوم الأرض، وجهت صحيفة معاريف الأنظار نحو ما هو يوم الأرض ومفهومه لدى المجتمع اليهودي في إسرائيل، حيث تطرق المقال إلى آراء المواطنين اليهود حول يوم الأرض وما هي الذاكرة المتجذرة حوله.

يقول يتسحاق ليفي- 42 عامًا، من بات يم” يوم الأرض هو حدث مرتبط بالعرب الفلسطينيين، لكنه ليس مرتبطًا بالانتفاضة (التي اشتعلت عام 1987).

أفراهام معرافي- 35 عامًا، من بات يم ” سمعت عن ذلك خلال هذا الأسبوع، يوم الأرض هو يوم عيد بالنسبة للفلسطينيين؛ منهم من يحتفل به بأعمال شغب ومنهم من يحتفل به كيوم إجازة من العمل”.

راحيل كوهن- 21 عامًا، كريات غات” أنا لا أعلم ما هو ولماذا هو موجود. أنا فقط أعلم أنه حدث مرتبط بالفلسطينيين وبحرب الاستقلال”.

ميري آرو- 36 عامًا، حيفا ” يوم الأرض هو يعكس يوم تحرير السكان العرب في إسرائيل. وترتبط هذه المناسبة بقضية الأراضي التي بدأت منذ سنوات الخمسينيات.

لتصفح المقال الكامل باللغة العبرية اضغطوا هنا

إتاحة المواد المرتبطة بأحداث يوم الأرض في المكتبة الوطنية الإسرائيلية

بمناسبة حلول ذكرى يوم الأرض، قام طاقم المضمون الرقمي في المكتبة الوطنية الإسرائيلية ببناء بوابة معرفية حول المواد المرتبطة بأحداث يوم الأرض من أجل إتاحتها للجمهور؛ حيث العديد من المواد الرقمية الحصريّة لصور المسيرات في سنوات مختلفة، وكذلك بعض الصور والملصقات الخاصة بالنضال المشترك للعرب واليهود، وأخبار من أرشيفي الصحف العربية (وتحديداً صحيفة الإتحاد) والإسرائيلية وكيف تعاملت وجهات النظر المختلفة مع هذا اليوم. فيما تجدون في آخر البوابة المصادر التي استندنا إليها في هذا النص والمواد الرقمية الواردة.

يمكنكم تصفح البوابة الرقمية الخاصة بذكرى يوم الأرض من خلال الضغط هنا 

عينٌ على أحياء عكا : “لا يصيبنا إلّا نصيبنا”

ضمن سلسلة عين على العرب، اخترنا هذه المرة بقعة جغرافية ينظر إليها الناظر؛ البعيد قبل القريب برؤى ثقافية وتاريخية متعددة ومتباينة، إنها مدينة عكا الساحلية.

حي الفاخورة عام 1951، عكا

ضمن سلسلة عين على العرب، اخترنا هذه المرة بقعة جغرافية ينظر إليها الناظر؛ البعيد قبل القريب برؤى ثقافية وتاريخية متعددة ومتباينة، إنها مدينة عكا الساحلية. هذه المدينة، الصغيرة برقعتها الجغرافية الممتدة بتاريخها العريق وصيتها الذي وصل مشارق الأرض ومغاربها، تختزن العديد من الحكايا والسرديات والمواد المؤرشفة التي آن لنا أن نلقي الضوء عليها ونمسح عنها الغبار. في هذا المقال، ارتأينا أن نظهر بعض مواد مؤرشفة متنوعة تركز على الواقع المعاش لأهالي المدينة خلال فترة الحكم العسكري الذي تم فرضه على المواطنين العرب في البلاد وخاصة الفترة التي أعقبت سنوات الحرب عام 1948. تتضمن المواد الأرشيفية صور توثيق معالم المدينة وساكينيها بالإضافة إلى مقتطفات إخبارية من الصحافة العربية التي هدفت لإيصال صوت أهل عكا ومعاناتهم.

تدلّنا المواد المؤرشفة بين أيدينا من صورٍ التقطها مصوّرون في عكا في سنوات الخمسينات والستينات، أو أخبار تناولت المدينة في الصحافة الفلسطينية آنذاك على واقعٍ سكنيّ أليم، كانت ولا تزال تعايشه المدينة القديمة. ففي صور أرشيف المصوّر بوريس كارمي مثلًا، والذي زار عكا في الخميسنيات والستينيات والسبعينيات والثمانينيات، ووثّق حالة بعض الأحياء السكنية، نستطيع تمييز حالة المباني وظروف ساكنيها الصعبة بوضوح. إلا أنها على الجانب الآخر تُظهر لنا طبيعة الحياة اليومية وأسلوب المعيشة الفريد لدى ساكني المدينة وزوّارها، على اختلاف مجالات الحياة من صيدٍ وتجارة وتعليم وسياحة وعبادة.

عكا؛ رومانسية الماضي وواقع الحكم العسكري الأليم

جاء في في مقالة كتبها رمزي خوري لجريدة الاتحاد في الأول من أيار عام 1950 بعنوان “يومٌ مع الحكم العسكري في عكا”، يصف بها اجراءات وقفه وسجنه لأسبوع، على أثر قدومه إلى عكّا من قرية البعنة بلا تصريح من الحاكم العسكريّ.

“وما وصلت بنا السيارة قرب تل الفخار القريب من عكا الا وكاننا في ميدان الجنود مبعثرين على اليمين وعلى الشمال يوقفون السيارات ليسألوا ركابها “اذا كان بينهم عرب” فيطلبون منهم ابراز التصاريح العسكرية…لا حاجة للكلام عن الانتظار في الساحة والاوامر الصارمة بالانتقال من مكان الى آخر والجلوس وعدم الوقوف ومنع الكلام ومنع الاتصال مع احد من الناس..الا انّ ما لفت نظري هناك كان عدد من النساء الفلّاحات.. وقد جمعن في احدى زوايا الساحة (ساحة قسم الشرطة حيث الحاكم العسكريّ)، امام كل منهن دست من اللبن كانت قد جاءت به مشيًا على الأقدام لتبيعه في عكا”.

في عكا مدينتين؛ مدينة للسواح ومدينة لأهالي عكا العرب

في مقالته “جولة قصيرة في عكا” عام 1963، يرافق رمزي خوري إحدى السائحات في طرقات “ضيّقة، متعرّجة، مزروعة بأطفال حفاة وأوحال”،  ليريها واقعًا آخر لعكا غير الذي يرونه السّياح، وغير الذي وصفته له هي بال”رومنطيقي”. في الحقيقة، تشير نسبة كبيرة من الأخبار التي خصّت عكا بالذكر في تلك الفترة إلى خطر انهيار المنازل في البلدة القديمة وازدياد الركام ومطالبات أهلها بتوفير سكنٍ بديل أو ترميمها أو توفير بعض المقوّمات الأساسية للعيش.

إحدى حارات عكا القديمة، 1975، مجموعة بوريس كرمي، الأرشيف المصور للمكتبة الوطنية الإسرائيلية.

قام محمود أبو شنب مثلًا بكتابة مجموعة من المقالات لجريدة الاتّحاد في سنوات الستينات والسبعينات، يُسائل بها بلدية عكا والحكومة ويحمّلها مسؤولية انهيار بعض المباني على رؤوس ساكنيها في أحياء المدينة المختلفة. في إحدى تلك المقالات يخص بالذكر بيت عائلة الناطور الذي انهار أحد جدرانه بالفعل وكان على وشك الانهيار بالكامل. يقول أبو شنب في وصف البيت: “يسكن في شيء يقع في الطابق الثالث، ولكي تصل الى هذا الشيء، عليك أن تنحني مرتين أو ثلاث لتتفادى قناطر الدرج أو خطأ الدخول الى بيت الجيران.. لأن الدرج يمرّ هكذا الى أعلى حتى تنتهي الى درجات لا يزيد عرض الواحدة عن نصف متر بين جدرانين مرتفعين يكون أحدهما جدار الغرفة التي ينام فيها أولاد محمد ناطور الستة…إذ قبل أن تطأ قدمك عتبة البيت، يواجهك الحائط الشماليّ للغرفة التي ينام فيها الأطفال لترى فيه شقًا طويلًا من أعلى الحائط الى أسفله، وقبل أن تدخل البيت، تدرك سلفًا أن العائلة في خطر”. يكمل أبو شنب ليصف لنا مشوار محمود الناطور صاحب البيت في مطالبة البلدية بالإلتفات للجدار المشقوق في غرفة نوم أطفاله، حيث ينامون تحت السرير خشية انهيار الجدار عليهم مباشرةً، إلا أن مطالباته، كما يشير أبو شنب، لم تأت إلا بتسجيل المنزل في خانة “خطر” في سجلّات البلديّة، التي طالبته قبل أي شيء بالحصول على عقد إيجار من شركة “عميدار”، المالكة لبيوت عكا المسجّلة كأملاك غائبين. ومنها بيت العائلة المذكور.

أحد بيوت عكا القديمة من الداخل – 1975، مجموعة بوريس كرمي، الأرشيف المصور للمكتبة الوطنية الإسرائيلية.

ويشير خوري في مقالة أخرى إلى اهتمام البلدية ب”طريق السيّاح” الذين يتوافدون إلى المدينة لزيارة مواقعها الأثرية والاستجمام، في حين تهمل الأحياء السكنية والسوق “الموحل”. يقول بولس “ينفقون ألوف الليرات سنويًا للمحافظة على المظهر “الرومانتيكي” لهذا الطريق – الذي يجب أن لا يكون فيه أي مظهر من مظاهر البناء والتجديد..حتى عريش من الخشب والحصير يقيمها بقال”. وفي مقالةٍ إضافية، يخبّر أبو شنب عن انهيار أربعة بيوت بالفعل فوق ساكنيها ومصرع أحدهم تحت الركام.

مدخل لبيت فوق إحدى الخرائب عام 1962 – علّقت عليه نجمة داوود ومكتوب فوقها “لا يصيبنا الّا نصيبنا، مجموعة بوريس كرمي، الأرشيف المصور للمكتبة الوطنية الإسرائيلية.
المدخل الى متحف “حمام الباشا” بجانب سجن عكا، مجموعة بوريس كرمي، الأرشيف المصور للمكتبة الوطنية الإسرائيلية.

لم يكن قدم البيوت وميلها للانهيار المشكلة الوحيدة التي عانى منها العكاويون ولا يزالون الى اليوم. فكما تشير مقالات خوري وأبو شنب، عانى أهالي المدينة من فقرٍ شديد وبطالة واكنظاظٍ في المدارس، واعتاش الكثيرون على صيد السمك بالفعل. إلا ان كمّ الاشارات إلى العيش بين الركام وفوق الخرائب لا يمكن تجاهله. ففي النهاية، عكا التي لطالما سحرت الناظرين من بعيد مدينة عتيقة، يدرك أهلها عتقها كما لا يفعل أحد.

لتصفح البوابة المعرفية الخاصة بمدينة عكا وقراها المحيطة اضغطوا هنا 

مقطع من سوق عكا الكبير، 1950، مجموعة بوريس كرمي، الأرشيف المصور للمكتبة الوطنية الإسرائيلية.

 

طوابع بريديّة لإعانة عرب فلسطين

تعد الطوابع البريدية مرآةً ينعكس فيها وجه البلاد السياحي والاقتصادي والثقافي.في هذه المقال، بعض الطوابع لإعانة فلسطين، فكيف ذلك؟

 

بعد أن وصلتهم التقارير حول قيام رجال أعمال يهود بشراء الأراضي من أصحابهم بأموالٍ طائلة، اجتمع سفراء ومندوبو الدول العربيّة في جامعة الدول العربيّة لبحث آخر التطوّرات في قضيّة فلسطين والصراع الفلسطينيّ اليهوديّ الصهيونيّ، وقرّروا إنشاء صندوق ماليّ لإعانة عرب فلسطين،

فاقترح بعض المشاركين في الاجتماعات التحضيريّة للمؤتمر العربيّ العام بالاسكندريّة، إمكانيّة إصدار طوابع بريديّة تُلصق على جميع المكاتبات ويُرصد ريعها لأراضي عرب فلسطين، ضمن الاقتراح الخاص بمساهمة الحكومات والشعوب العربيّة في “صندوق الأمّة العربيّة” لإنقاذ أراضي العرب في فلسطين.

جريدة “الدفاع” عدد 15.06.1947

كثير ما تناولت الصحف العربيّة في فلسطين أخبار حول طوابع بريديّة واستخدامات مُختلفة لها، وعند صدور قرار الجامعة العربيّة بإصدار طوابع بريديّة لدعم قضيّة فلسطين، قامت جريدة “الدفاع” بنشر خبر  في أحد أعدادها، وبالتحديد في العدد الصادر يوم الخامس عشر من حزيران 1947 ينصّ على أنّه “اعتبار من صباح يوم غد الاثنين أي السادس عشر من حزيران تبدأ حكومة المملكة الأردنيّة الهاشميّة باستعمال الطوابع الخاصّة لإعانة عرب فلسطين، وقدرها 50 بالمئة من قيمة الطوابع الأصليّة التي تُستعمل في المعاملات الرسميّة البريديّة في المملكة الأردنيّة الهاشميّة”

ونقرأ في نصّ الخبر أعلاه تفاصيل الطابع، حيث تذكر “الدفاع” أنّها قد طُبِعَت طوابع خاصّة، عليها صورة مسجد، إشارة إلى المسجد الأقصى المبارك، وصورة الصخرة مُحاطة بنقوش عربيّة وإسلاميّة.​ وقد كُتب في أعلى الطابع “عبد الله بن الحسين” وفي أسفلها “المملكة الأردنيّة الهاشميّة” وبعد ذلك “اعانة عرب فلسطين”، وعلى جوانبه قيمة الطابع.​

نسخة عن الطابع المذكور في جريدة الدفاع في عدد 15.06.1947​
​نسخة من طابع إضافيّ أصدرته المملكة الأردنيّة الهاشميّة لإعانة عرب فلسطين
صحيفة “فلسطين” – عدد 13.10.1946

قبل ذلك بأشهر، نشرت صحيفة “فلسطين” في عددها الصادر في الثالث عشر من تشرين الأوّل 1946خبرًا تذكر فيه أنّ الحكومة السوريّة قد بدأت بدراسة مشروع لإصدار طوابع من فئة قرشين ونصف قرش تُلصق على جميع المُكاتبات ويُرصد ريعها لأراضي عرب فلسطين تنفيذًا لقرار الجامعة العربيّة.

هكذا حاولت الحكومات العربيّة في المنطقة إعانة العرب في فلسطين، وحماية أراضيهم من الضياع، بحثنا كثيرًا في المراجع حول حقيقة تحويل الأموال الخاصّة بالمشروع إلى فلسطين ومن هي الجهة التي قامت باستلام الأموال، وهل هناك جهة كذلك فعلا؟ كما هل تمّ بالفعل تحويل هذه الأموال؟ ولكنّنا لم نعثر على معلومات إضافيّة حول نجاح هذه الحملة وغيرها من الحملات لإعانة عرب فلسطين أو فشلها أو توقّفها. ويبقى المجال مفتوحًا للبحث والسؤال.