المكتبة تتجدد

المكتبة تتجدد

تمرّ المكتبة الوطنية بعمليّة تجدّد، يتمّ في إطارها توسيع المكتبة وتطويرها لتكون مكتبة عصرية ملائمة للقرن الـ 21، تسعى دائما لبناء مجموعات فعليّة ورقمية تهتمّ بالثقافة المحلية؛ العربية واليهودية والإسرائيلية، على امتداد أجيالها وروافدها، تقدّم خدمات في مبنى المكتبة وعلى الإنترنت للجمهور الواسع، وللباحثين من البلاد والعالم، كما تؤدي دورا هامًا وحيويًا في الحياة الروحية والثقافية للدولة ولكافة مواطنيها، وللشعب اليهوديّ عامة.

رؤية التجدّد

تعدّ المكتبة الوطنية، التي تأسّست عام 1892، وتمرّ هذه الأيام في عملية تجديد شاملة، مؤسسة استثنائية بين مكتبات العالم الضخمة. تعتبر المؤسسة الأساسية للذاكرة الوطنية– ليست الذاكرة الإسرائيلية واليهودية فحسب، بل الذاكرة الإنسانية المنتشرة في جميع أنحاء المعمورة.

يجب على مجموعات المكتبة الوطنية، الموجودة والمستقبلية، أن تعكس وتجسّد بشكل كامل هذه الرقعة الثقافية، الجغرافية والتاريخية الهائلة. هذا الهدف الأساسي يحتاج إلى تجميع الإصدارات والمحافظة عليها بكافة الوسائل المتاحة، وكذلك الأمر بالنسبة لكافة المواد التي توثّق الحياة الثقافية لدولة إسرائيل وللشعب اليهوديّ. تطمح المكتبة الوطنية، إلى جانب التجميع والحفظ، أن تصبح منارة الدولة بكلّ ما يتعلق لتكنولوجيا المعلومات المستحدثة، وأن تتيح المجال لكل مهتمّ لأن يطّلع على الكم الهائل من الموارد، المواد والخدمات الفعلية والرقمية، ولا يقتصر الأمر على تلك الموارد المستندة إلى مجموعات المكتبة وموظّفيها المهنيين، بل كذلك على المجموعات الهائلة المتاحة بواسطة اتفاقيات التعاون مع المكتبات ومؤسسات المعرفة والتراث المختلفة.

إضافة لذلك، المكتبة الوطنية ملزمة بنشر المعرفة بشكل فعال، وتطوير مجتمع مثقف، متنوّر ومتسامح، بواسطة مجموعة من الفعاليات التربوية والثقافية. تطمح المكتبة أن تقدّم خدمة لجمهور مستخدمين واسع ومتنوّع قدر الإمكان سواء كان في إسرائيل، التي تتميّز بكونها مجتمعا متباينا إلى أبعد حدّ، أو في جميع أنحاء العالم. تعدّ المكتبة الوطنية كذلك، حسب القانون، مكتبة بحث مركزية في العلوم الإنسانية، وفي مجالات اليهودية على وجه الخصوص، إسرائيل، الإسلام والشرق الأوسط، وتشكّل كذلك مكتبة بحث مركزية في العلوم الإنسانية للجامعة العبرية في القدس. كما تفتح المكتبة أبوابها الفعليّة والافتراضية لكلّ مستخدم محتمل، أكاديميًا كان أو لم يكن، لأهداف البحث أو لأهداف أخرى. وتقدّم للمستخدمين إرشادًا مهنيًا في التصفّح في بحر المعلومات الغزير والمحيّر الذي يحيط بنا. ستنشط المكتبة، في مقرّها الجديد الموجود حاليا في طور التخطيط، في حيّز مُلهم يشكّل في الوقت ذاته بيئة تعليمية مثالية، ومكانًا لالتقاء الباحثين، المفكّرين والفنّانين، وموقعا للإبداع الثقافي الحيويّ المبني على كنوز ومجموعات المكتبة.

لماذا نحن بحاجة لمكتبة وطنية فعليّة؟

الثورة الرقمية الهائلة، التي أعادت صياغة عالم القراءة والبحث من جديد، وأتاحت كمًّا هائلا من المعلومات لكافة مستخدمي الحاسوب، لا تلغي بأي حال من الأحوال وجود مكتبة حقيقية تقدّم للجمهور موارد متنوّعة، خدمات وفعاليات، في فضاءات مكانية مثيرة، مُلهمة ومجهّزة على النحو المطلوب. أصبحت المكتبات الوطنية مواقع حيويّة بهدف انفتاح الجمهور الواسع على موارد قيّمة، في ملفات تقليدية ورقميّة غير المتاحة بشكل محوسب، حتى الآن، ولا في المستقبل القريب على ما يبدو. وفيما يتعلق بأجناس أدبية وموادّ مهمّة معينة التي ربما لن تكون متاحة بتاتًا. المكتبة المركزية هي الوحيدة القادرة اليوم على توفير وإتاحة هذا الكمّ الهائل من الموادّ المحفوظ بواسطة قانون حقوق المنتجين، بما في ذلك بنوك المعلومات الإلكترونية الأساسية ذات التكلفة الباهظة التي ليست في متناول يد الجمهور. كذلك، وكما هو معلوم لكلّ باحث، المصادر المختلفة ومن ضمنها تعابير مهمة للذاكرة الثقافية والتاريخية، تبقى خارج نطاق الشبكة الرقيمة العالمية.    

يفرض النمو الهائل للإنترنت الحاجة لإرشاد مهنيّ، بالنسبة للباحثين الجديين، فكيف بالحريّ لمستخدمين ليسوا أكاديميين. يحتاج كلّ منّا إلى مساعدة في البحث عن مصادر موثوقة وذات صلة داخل هذا المحيط اللامتناهي من الموادّ المتوفرة. العملية متعلقة، إلى حدّ كبير، بدمج خلّاق بين بنوك المعلومات والوسائل الرقمية الأخرى. وهكذا، فإنّ المجال المهني الجديد، والذي سنطلق عليه هنا "إدارة المعرفة الإلكترونية"، قد تبلور وأصبح ضمن المسؤولية المركزية لكلّ مكتبة عصرية ضخمة. أخصائيو المعلومات، الذين تمّ تأهيلهم ليجيبوا عن الاحتياجات الخاصة للمستخدمين الفرديين والقطاعات المختلفة، والذين يمتلكون القدرة على الحكم بموثوقية المصادر ومدى مصداقيتها، يؤدّون دورا مركزيًا في تقديم الخدمات في كلّ مكتبة عصرية. يستدعي فن علم المكتبات الحديث خلق تواصل في مستوى المؤسساتي، بين المكتبات المركزية وتطوير أنظمة عملية تهدف إلى إتاحة كمّا إضافيا من الموادّ. هكذا تغدو الحاجة ملحة لوجود مكتبة، من أجل تدقيق، تقنين وصيانة كلّ المساهمات العالمية الضرورية للبحث المعاصر.      

تقدّم المكتبات الحقيقية لزوّارها، بخلاف المكتبات الافتراضية، تجربة استثنائية لا يمكن تقليدها في العالم الافتراضي. توفّر قاعات القراءة أرضا خصبة للتفاعل متعدد المجالات من الناحية الفكرية. كما لا يمكن التقليل من أهمية ملامسة الكتب، المخطوطات وباقي الكنوز النادرة، حتى النادرة جدا منها، ملامسة مباشرة دون وسائط. كثيرة هي الأمور التي يمكن تعلّمها بواسطة اللمس المباشر، بالنسبة للقراء أو الزوّار العشوائيين على حدّ سواء، والذين زاروا المكتبة من أجل مشاهدات العروض أو المشاركة في الفعاليات التربوية والثقافية المختلفة.   

لماذا هذه المكتبة تحديدًا؟

تحتاج الثقافة اليهودية، دون أي شكّ يذكر، إلى مكتبة مركزية واحدة تعمل على حفظ، توثيق، تنظيم، نشر وتعزيز المعرفة لكافة السياقات الثقافية والتاريخية التي نشأت فيها. تجدر الإشارة إلى أنّ الشعب اليهودي خلال مسيرته التاريخية الطويلة، عبّر عن نفسه، أولا، بواسطة الكلمة المكتوبة والمنطوقة. لذا تغدو مهمة المكتبة الوطنية الإسرائيلية مهمة أشمل ومركّبة أكثر مقارنة مع المكتبات الوطنية الأخرى، بفضل هذه الخاصية التي تميّز الشعب اليهوديّ. عمومًا، يحمل اليهود ممّن هم مواطنو دول أخرى غير دولة إسرائيل، هوية مركّبة، يشعرون بانتماء لا لمكان سكانهم فحسب، بل يشعرون بانتماء للمجتمع اليهودي في جميع أنحاء العالم كذلك. لذا لا يمكن لأي مكتبة وطنية في الشتات اليهودي، مهما كانت غنية وغزيرة الموادّ، أن تلبي احتياجات الشعب اليهودي أجمع، فهذه المهمة ملقاة على عاتق المكتبة الوطنية الإسرائيلية. وفي ظلّ النمو المتسارع للمعرفة والمصادر في عصرنا هذا، والذي سيزداد تسارعا مع مرور الوقت، فإنّ المسؤولية الملقاة على أرشيف اليهودية الرئيسيّ باتت أكثر إلحاحا من أي وقت مضى.       

إضافة لذلك، المكتبة هي مكتبة دولة إسرائيل الوطنية، في مجتمعها المتنوّع والمتفرّق وهويتها القومية التي ما زالت في طور التبلور. يجب أن نتذكّر دائما أنّ دولة إسرائيل هي أيضًا بيت لقوميات ومجموعات دينية وعرقية أخرى كالمجتمع العربي، وأنّ نتذكر أيضًا وجود مركبات عديدة بالمجتمع هي عبارة عن مجموعات كبيرة من المهاجرين من دول وثقافات مختلفة، وأنّ على المكتبة الوطنية أن تقدّم لهم جميعًا الخدمة اللازمة. لذا يتوجب على هذه المكتبة أن تؤدي دورًا ثقافيًا وتربويًا خاصًا وحاسمًا، لا يقوم على تجميع الموادّ فحسب (وهو تحدّ جديّ بحد ذاته)، بل أن تستخدم مواردها بشكل فعّال، من أجل تعزيز الوعي لخاصية كلّ مجموعة ومجتمع، وللقيمة المطلقة للتعابير التعددية، المتسامحة والمتنوّرة للحياة العامة. وذلك يعني، أن المكتبة الوطنية يجب ان تكون مركزًا مبدعًا وحيويًا للفعاليات الحقيقية والمحوسبة، حلقات دراسية، معارض، حفلات موسيقية، جولات للمدارس، منح لباحثين ضيوف ومشاريع بحث، والتي أعدّت جميعها لترسيخ هذه القيم وتطويرها.  

تفرض هذه المسؤولية جانبًا إقليميًا على نطاق واسع أكثر. ستطمح المكتبة الوطنية إلى إقامة علاقات عمل مع مكتبات ومؤسسات تراث أخرى في أنحاء الشرق الأوسط. ونأمل أن تساهم المكتبة بهذه الطريقة في خلق تحركات إقليمية تقوم على التواصل والتعاون الفكريّ والفنيّ، وبالتالي تساهم في إحلال السلام.

لماذا نحتاج مبنى جديدًا؟

لم يعد المبنى الحالي، الذي أقيم في خمسينيات القرن العشرين، يلبي حاجات الاستخدام تقريبًا، كما يتضح جليًا من خلال الفحوصات والتقارير. أضف لذلك، فقد تمت ملاءمة هذا المبنى في حينه لرؤية مكتبة وطنية، قد عفا عليها الزمن في الوقت الراهن: المبنى نفسه، وموضعه داخل الحرم الجامعة العبرية، يعكسان محاولة تخزين والمعلومات وتركيزها في إطار محدود. بالمقابل، سيكون المبنى الجديد، الذي طالما حلمنا به، مفتوحًا للجمهور الواسع، وللعالم أجمع عمليًا، سواء كان ذلك من ناحية المبنى، أو من ناحية الموضع. المكان الذي تم اختياره لهذا الغاية، على مقربة من مقرّ الكنيست الإسرائيلي وحيّ المتاحف، هو مكان مُلهم وملائم لمكتبة وطنية. الهدف المهم في تعزيز الإتاحة يفوق كلّ تحدِّ نظري يفرض حلولًا عمرانية خلّاقة، التي من شأنها أن تطوّر المكتبة ومواردها لأجيال جديدة من المستخدمين. عمليًا، لا يمكن لأيّ دور من أداور المكتبة في القرن الحادي والعشرين، والتي ذكرناها سابقًا، أن يتحقّق دون وجود مبنى جديد ومعاصر. نحن بصدد فرصة تاريخية نادرة لنتوقّع ونقيم المكتبة الوطنية المستقبلية المثالية على أرض الواقع. سيقدّم المبنى الجديد أماكن عمل مجهزة جيدًا، سهلة الاستخدام، والأهم مُلهمة للقرّاء وللباحثين. وسيضمّ كذلك مناطق أنيقة لإقامة النشاطات الثقافية والتربوية، التي تتيح المجال للمكتبة الوطنية أن تحتل مكانها المناسب كمركز ثقافيّ رائد.      

تعدّ المكتبة الوطنية مشروعًا متعدد الرؤى يطمح لإنشاء مؤسسة متطورة، في مقدّمة عالم المعرفة والإبداع الثقافي المستند عليه. ستساهم المكتبة مساهمة جادة بالتعاون مع مراكز أخرى للمعرفة، في الجهود العالمية المتواصلة لحفظ، تحسين وتطوير ثروات الثقافة العالمية للجمهور، إضافة إلى دورها التحوّيلي في الحياة الثقافية الخاصة بالإسرائيليين واليهود في أنحاء العالم. النشاطات الثقافية الخلّاقة حيوية جدًا لوجود دولة إسرائيل المستقبليّ، ولمجتمعها المتنوّع، ولنسيج الحياة الشخصية والعامة فيها. أصبحنا نمتلك دولة، برلمان، جيش، عدة جامعات ومتاحف هامة، ومركّبات أخرى لنمط حياة في القرن الحادي والعشرين. ما لا نمتلكه بعد، لكننا متواجدون في مرحلة متقدمة من مراحل إنشائه، هو مكتبة عصرية تلائم تاريخ دولة إسرائيل وغناها الروحاني والفكريّ.

بُني مبنى المكتبة الجديد في كريات هليؤوم في القدس، في المنطقة الواقعة عند التقاء الشارعين كبلان ودريخ روبين. مقابل مبنى الكنيست الإسرائيلي وفي حيّ متحف إسرائيل. تم تخطيط المبنى من قبل مكتب التخطيط المعماري السويسريّ هرتسوغ فيدا مارون. مكتب أمير مان - عمي شنعار مخططون مدنيون ومعماريون، يعملون كمخططين معماريين محليين. مساحة المبنى 45،000 م تقريبا، تضمّ 6 طوابق، بمساحة 1،500 م فوق الأرض، و 4 طوابق بمساحة 30،000 م تحت الأرض. شركاء مشروع التجدّد هم، دولة إسرائيل، عائلة روتشيلد من خلال صندوق "ياد هناديف" وعائلة دافيد وروت جوتسمان من نيويورك.

تتواجد المكتبة الوطنية، والتي أقيمت عام 1892، منذ عقد من الزمن تقريبا، في مرحلة التجدّد، التي تهدف إلى ملاءمتها للتحديات والإمكانيات التي يفرضها القرن الحادي والعشرين. سيمكّن المبنى الجديد من تطوير الخدمات الحديثة التي تقدّمها للباحثين، للقراء، للزوّار والمتصفّحين، وتحسين الإتاحة لملايين المواد التابعة للكنوز الثقافية والثقافة التي تمّ جمعها منذ أكثر مئة وعشرين سنة.

قامت المكتبة بتعزيز عملية التجميع وتوسيعها، في إطار عملية التجدّد، وبالمقابل استثمرت موارد من جل إتاحة مجموعات للتصفّح من خلال الإنترنت. وقّعت المكتبة، كجزء من سياسة توسيع المجموعة، على مئات اتفاقيات التعاون الوطنية والعالمية، التي تضمن الوصول لكنوز ثقافية غير متوفرة بشكل ماديّ في المكتبة. مبنى المكتبة الجديد سيلائم الرؤية الجديدة التي تولي أهمية لتعزيز البحث إلى جانب إتاحة الكنوز الثقافية والعلوم الإنسانية، لكلّ من يرغب بذلك.

سيضم الحيز الفعلي الجديد الخاص بالمكتبة عددًا كبيرًا من المستخدمين والزوّار، حيّزًا لنشاطات ثقافية وتربية، مجموعات موسّعة وقاعات قراءة تتيح المجال للدراسة الشخصية. كذلك، سيتمّ تخصيص غرف للدراسة من خلال المجموعات وللعمل الجماعيّ. كلّ ذلك يستدعي إنشاء مبنى جديد للمكتبة.