لمن نسلم مدينة القدس؟

توضّح المقالة كيف تمت ظروف تسليم مدينة القدس في يوم 9 كانون الأول من العام 1917 للجنرال ألنبي.

 

الجنرال ألِنبي بالقرب من باب الخليل. سيدخل إلى المدينة الجنرال بيرغل.

تصوير: أريك ماطسون، مكتب الصحافة الحكوميّ

مع انسحاب القوّات العثمانية من القدس، خرج وفد رئيس البلديّة بنيّة تسليم المدينة للقوّات البريطانيّة. حاول رئيس البلديّة المرّة تلو الأخرى تسليم المدينة لكلّ جنديّ التقى به، إلّا أنّ الاستسلام هذا كان يُرفض دائمًا. هذه قصّة أطول يوم في حياة رئيس البلديّة، اليوم الذي تسبّب، على ما يبدو، بموته.

إحدى لحظات الذروة في المعركة البريطانيّة لاحتلال فلسطين كانت رمزيّة أكثر من كونها عسكريّة: احتلال القدس. التقدّم السريع للإمبراطوريّة البريطانيّة عن طريق سيناء، مرورًا بغزّة ووصولًا إلى مشارف القدس أثبت لقوّات الإمبراطوريّة العثمانيّة في المدينة أنّ الوضع العسكريّ لا أمل منه. تلقّت قوّات الإمبراطوريّة العثمانيّة الأمر: انسحاب تامّ من القدس سيتمّ في 9 كانون الأوّل 1917.

عند انسحاب القوّات العثمانية بسرعة من المدينة، نظّم رئيس البلديّة حسين سالم الحسينيّ وفد استسلام رسميًّا. مرّ رئيس البلديّة من المستعمرة الأمريكيّة في المدينة باحثًا عن مصوّر كي يوثّق الحدث. عندما عثر رئيس البلديّة على مصوّر المستعمرات هولس لارس لارسون، ناداه، “سوف أسلّم المدينة للإنجليز، أحضر الكاميرا”. أثناء السير في الطريق توقّفوا في المستشفى الإيطاليّ، قاموا بإزالة غطاء سرير أبيض من أحد الأسرّة ووصلوه بعصا مكنسة: جُهّزت راية الاستسلام!

 

أصبح كلّ شيء جاهزًا الآن ومعدًّا لمراسم الاستسلام، السؤال الوحيد الذي بقي هو: أمام مَن يتمّ الاستسلام؟

لمح الوفد في حوالي الساعة الخامسة قبل الصباح اثنين من الطهاة الإنجليز اللذين أُرسلا في المساء السابق لشراء البيض من القرية المجاورة فضلّا في طريق عودتهما إلى المعسكر. سارع الوفد الموقّر للاستسلام أمام الرمزيْن وقدّم لهما- كممثّلين للجيش البريطانيّ العظيم- كتاب التسليم وراية الاستسلام البيضاء: تحوّل هذا الوضع غير الطبيعيّ إلى أكثر غرابة عندما استدرك الرمزان ورفضا أن يقبلا كتاب الاستسلام. وطلبا من الوجهاء تأجيل ذلك عدّة ساعات وخرجا للبحث عن قائدهما للتشاور السريع- حتّى ذلك الوقت، لن تستسلم المدينة أمام الإمبراطوريّة الجديدة في المنطقة.

في حين كان الطبّاخان في طريق العودة إلى المعسكر، ظهرت فجأة ظهر أفراد من الدوريّة البريطانيّة مع بنادقهم المشهرة وطلبوا من أعضاء الوفد أن يعرّفوا بأنفسهم. تمالك رئيس البلديّة نفسه وحاول، للمرّة الثانية في ذلك الصباح الطويل، الاستسلام أمام ممثّليّ الجيش البريطانيّ العظيم- ولكنّهما رفضا، وطلبا من الوفد الانتظار حتّى وصول الجنرال ولكنّهما استجابا لإلحاح المصوّر ووافقا على التقاط الصور مع الوفد.  

وفد رئيس البلديّة مع اثنين من رجال الدوريّة اللذَين رفضا قبول الاستسلام، عن أرشيف مكتبة الكونغرس

بعد مضيّ عدّة ساعات على ذلك وصل الكولونيل ووطسون وتمّ التعريف به أمام رئيس البلديّة ورفاقه. اعتبر ووطسون نفسه جديرًا بهذا المقام ووافق على قبول كتاب الاستسلام. في ختام المراسم المستعجلة توجّه الكولونيل الذي كان يعاني من الزكام إلى المصوّر وسأله “أين بإمكاني الحصول على كوب من الشاي؟” ومن هناك توجّهت المجموعة إلى مستشفى “شعاري تسيدك”، لتناول الشاي والكعك احتفالاً باستسلام المدينة.

في اليوم التالي، أخذ المصوّر لارسون صور الاحتفال الخاصة بووطسون إلى مقرّ قيادة الجنرال مايور جون شاين في المدينة. من منطلق اعترافه بالأهمّيّة التاريخيّة للحدث الذي حضره، سأل لارسون الجنرال فيما يتعلّق بالطريقة اللائقة لنقل الصور إلى لندن. “أيّ صور؟” ردّ الجنرال مستغربًا، “هل تقصد الصور من الاحتفال الذي قرأت فيه البيان على مدرّجات برج داود(قلعة القدس)؟”. عندما سمع الجنرال شاين عن مجريات الأحداث من يوم أمس من المصوّر الذي قام بتوثيقها، غضب على الكولونيل ووطسون الذي قبل استسلام المدينة نيابة عن الجنرال ألِنبي وأمر المصوّر بالتخلّص من صور الاحتفال الذي شارك فيه ووطسون.  وأصرّ على أنّ مراسم الاستسلام الحقيقيّة كانت تلك التي جرت على درج قلعة داود.

بعد يومين من يوم الاستسلام الطويل، وصل قائد المعركة البريطانيّة في سيناء وفلسطين إلى القدس. عند مدخل باب الخليل نزل الجنرال إدموند ألِنبي عن جواده ودخل المدينة راجلًا، حتّى لا يُنظر إليه على أنّه مُحتلٌّ وصيّ وقاسٍ ينظر إلى سكّانها من على صهوة جواده.

ألغى ألِنبي على الفور جميع مراسم الاستسلام السابقة وطلب تنظيم مراسم استسلام ثالثة (أو رابعة، الأمر يتعلّق بكيفيّة العدّ) في حضوره. رفض رئيس البلديّة الحسينيّ المراسم النهائيّة بذريعة أنّه يعاني من التهاب رئويّ الذي ألمّ به خلال مراسم الاستسلام الطويلة قبل يومين من هذا الموعد.

الجنرال ألِنبي بصحبة ضبّاط من ثلاثة جيوش- الأمريكيّة، الفرنسيّة والإيطاليّة، يدخل راجلًا إلى القدس عبر باب الخليل. الصورة مأخوذة من مجموعة الصور الخاصّة بالمكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة.

 

وهكذا، وفي ظلّ غياب رئيس البلديّة جرت مراسم استسلام مدينة القدس– شارك في المراسم الجنرال ألِنبي، ممثّلو الطوائف المختلفة في المدينة وبضعة آلاف من السكّان الذين وصلوا لرؤية الحكّام الجدد.

بعد عدّة أسابيع على ذلك، توفّي رئيس البلديّة حسين سالم الحسينيّ من جرّاء الالتهاب الرئويّ.

 

مراسم استسلام القدس للجنرال ألِنبي. الصورة مأخوذة من مجموعة الصور الخاصّة بالمكتبة الوطنيّة.

 

 

 

أراضي الباقورة (نهرايم): القصة الأولى

القصة الأولى حول مشروع روتنبيرغ في الباقورة/ نهرايم

في مساء يوم التاسع من تشرين الثاني 2019، ومع إغلاق الجيشين؛ الأردني والإسرائيلي، لبوابات العبور، ظهرت شارة النهاية لمسألة أراضي الباقورة (نهرايم بالعبرية). هذه المسألة التي امتد تاريخها لحوالي قرن من الزمان قد شغلت العديد من الأوساط الشعبية والرسمية في كلٍ من الأردن وإسرائيل خلال الأشهر الأخيرة، والتي انتهت بتسليم الأخيرة أراضي الباقورة إلى الأردن. لكن، ماذا نعلم عن هذه الأراضي (عدا ما نسمعه في وسائل الإعلام) وبالتحديد، القصة الأولى لنشوء هذه المسألة التي هي معروفة بعنوانها لدى الجميع لكنها بذات الوقت مجهولة بتفاصيلها لدى غالبية الأوساط؟

في هذه المقالة، سنخالف الكثيرين ونعود إلى البداية، إلى بداية نشوء قصة الباقورة، وبالتحديد لعام 1921، التي فيه بدأت الحكاية. بدأت في ظل تحول الحكم البريطاني لفلسطين من احتلال عسكري إلى فرض الانتداب، والذي أصبح له سلطة “شرعية” تمكنه من استغلال الموارد الطبيعية من أجل “خدمة” السكان. وهكذا كانت البداية مع منطقة الباقورة، بدأت مع مشروع روتنبرغ لإنشاء محطة لتوليد الكهرباء.

مشروع روتنبرغ: فكرة فرضت نفسها على الباقورة

بتاريخ 21 أيلول من العام 1921 تم توقيع الاتفاقية الأولى بين المندوب السامي الأول على فلسطين وبين السيد بنحاس روتنبرغ القاطن في مدينة القدس تنص على قيام الطرف الثاني استغلال المياه في ملتقى نهر الأردن ونهر اليرموك لأجل توليد الطاقة الكهربائية وإمدادها لمناطق الامتياز.

الصفحة الأولى من وثيقة اتفاقية امتياز حقوق توليد الكهرباء من نهر الأردن واليرموك، عام 1921

كانت هذه الاتفاقية تشكل حجر الأساس في اختيار موقع الباقورة التي شكلت ملتقى لنهر الأردن واليرموك، بالتالي هي المكان المناسب لإقامة محطات توليد الكهرباء فيها. أما حكومة الانتداب فلقد أعطت بنحاس روتنبرغ ضمانًا لمشروعة لفترة تمتد إلى سبعين عامًا يبدأ تاريخها منذ يوم توقيع الاتفاقية، أي من عام 1921 حتى عام 1991.

خريطة منطقة جسر المجامع وتظهر فيها منطقة امتياز روتنبيرغ في الباقورة، خرائط مسح فلسطين لعام 1941.

لم يترك المندوب السامي كلمات امتياز أو استغلال أو ضمان دون تحديد أكثر  لبنود الاتفاقية، إذ قام بتحديد بنود الامتياز ضمن الاتفاقية الموقعة والتي أفضت إلى ما يلي:

“خضوع مياه نهر وروافد الأردن وحوضه بما في ذلك نهر اليرموك وروافده لسيطرة المندب السامي البريطاني كما هو مصرح باتفاقية الأنجلو- فرنسية المؤرخة بتاريخ 23 كانون الأول 1920 أو المناطق التي تم تحديدها لأجل استخدامها في خدمة أراضي فلسطين أو شرق الأردن لغرض توليد الطاقة المستمدة من هذه المياه وتزويدها وتوزيعها داخل مناطق الامتياز، والقصد هنا الطاقة الكهربائية التي يتم توليدها من محطة توليد الطاقة الكهربائية بالقرب من جسر المجامع (Jisr-el-Mujamyeh) وتوظيف واستغلال بحيرة طبريا كخزان لتخزين المياه لتزويد محطة توليد الطاقة الكهربائية بالمياه اللازمة كما ترى الشركة المشغلة خلال فترة توليد الطاقة وتوزيعها داخل مناطق الامتياز. ومن أجل ذلك يجب القيام بكل الأعمال اللازمة لتحقيق هذه الغاية (توليد الطاقة وتوزيعها) ولكن، لن يتم ضمان هذه الغايات دون الحصول على التصاريح والتراخيص اللازمة من المندوب السامي”

تتضمن أعمال هذا الامتياز:

  • إقامة سد على نهر الأردن بالقرب من الكرك
  • المباشرة في إقامة قناة للمياه من بحيرة طبريا إلى جسر المجامع- محطة توليد الطاقة
  • جلب العدد الكافي من أنابيب الضغط لأجل نقل المياه من القناة المذكورة لمحطة توليد الطاقة المذكورة
  • وجود المحركات التوربينية المطابقة لمواصفات المندوب السامي وتعاون السلطات المحلية مع الشركات والتي تكون قادرة على توليد الطاقة وتوزيعها بالشكل الكافي.

بالإضافة إلى هذه البنود، هنالك المزيد……….

لقراءة الوثيقة كاملةً اضغطوا هنا

روتنبرغ: المحطة الأولى وليست الأخيرة

لم تكن محطة توليد الكهرباء الموجودة بالباقورة هي المشروع الأوحد في فلسطين، بل كان هنالك لها مشروع رديف آخر على الجهة الثانية من فلسطين الانتدابية، أي الساحل الفلسطيني، وبالتحديد بالقرب من مدينة يافا، وقد حمل المشروع الآخر ذات التسمية، مشروع روتنبيرغ.

لتوضيح الأمور بشكل أكبر، يعود كل من مشروع الباقورة ومشروع يافا لتوليد الطاقة الكهربائية إلى ذات الجهة، للمهندس المدني الذي يقطن مدينة القدس والذي حمل كلا المشروعان اسمه وهو السيد بنحاس روتينبيرغ.

من هو بنحاس روتنبيرغ؟

لقد كان بنحاس روتنبيرغ ناشطًا مؤثرًا خلال أحداث الثورة الروسية (التي تعبر عن موجة الاضطرابات السياسية التي عمت أرجاء روسيا) ، والذي ما لبث إلى أن خرج من روسيا نحو أوروبا ومن ثم الولايات المتحدة الأمريكية هربًا من النظام القيصري، وعاد إليها بعد حدوث الثورة البلشفية عام 1917.  قدم إلى البلاد عام 1919 وسكن مدينة القدس وفي عام 1921 أصبح روتنبيرغ صاحب الحق والامتياز الحصري لتوليد وتوزيع الطاقة الكهربائية لأجزاء من فلسطين الانتدابية وإمارة شرق الأردن. والذي ما لبث إلى أن بدأ بجمع الأموال والتبرعات لإقامة مشروعه الضخم آن ذاك.

لحظات مصورة من الباقورة

بدء العمل في منطقة الباقورة (نهرايم)، بين الأعوام 1921-1929، أرشيف بيتوموناه، المكتبة الوطنية الإسرائيلية

بدء العمل في منطقة الباقورة (نهرايم)، بين الأعوام 1921-1929، أرشيف بيتوموناه، المكتبة الوطنية الإسرائيلية

مشهد لجسر الباقورة وخلفه الأعمال المستمرة لإقامة محطة توليد الكهرباء، أرشيف يعقوب فارمن، أرشيف المكتبة الوطنية الإسرائيلية

الأعمال المستمرة لإقامة محطة توليد الكهرباء، أرشيف يعقوب فارمن، أرشيف المكتبة الوطنية الإسرائيلية

تركيب قنوات المياه للمحركات التوربينية، التاريخ غير معروف، أرشيف الصور للمكتبة الوطنية الإسرائيلية

هل نقول نعم أم نقول لا للتصويت في الانتخابات؟

يقوم هذا المقال المقتضب بطرح مسألة الانتخابات التي جرت في البلاد خلال الفترة الانتدابية على فلسطين.ويصور كيف كانت الردود الشعبية عليها

بالحقيقة، لا يمكننا الإجابة على هذا التساؤل خاصة في ظل الجو السياسي المحتدم والمزدحم في آن واحد. ولكن، الذي يمكننا أن نقوم به هو أن نستعرض ما الذي كان قبل ذلك، قبل ذلك من أجواء سياسية شبيهة ولو بشكلها النسبي لوضعنا اليوم.

نعم، نحن لم نمر فقط اليوم بهكذا ظروف وأوضاع، إنما مررنا من قبل بظروف مواتية. فمنذ الفترة الانتدابية على فلسطين والأمور السياسية محتدمة على كافة الأصعدة والمستويات، خاصة بموضوع الانتخابات؛ من انتخابات المجلس التشريعي (فشلت حكومة الانتداب بعقدها) إلى انتخابات المجلس الإسلامي الأعلى فانتخابات الملي الأرثوذكسي وأخيرًا وليس آخرًا الانتخابات البلدية في عموم فلسطين وانتخابات بلدية القدس بشكل خاص. كل تلك الانتخابات كان فيها الكثير من انقسام المواقف بين الأطراف المختلفة، تختلف حدتها تبعًا للفترة الزمنية، الجهة المنظمة للانتخابات والمنطقة الجغرافية التي تُعقد فيها. وهنا، سنقوم بعرض موقفين من الانتخابات التي حصلت بالماضي؛ انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني الأول، وانتخابات بلدية القدس.

انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني الأول: انتخابات فاشلة قبل انعقادها!
يُقال إذا رغبت بنجاح الشيء فافعله جماعة لا مفردًا، وهكذا تحديدًا يمكن وصف ما حصل بخصوص الانتخابات للمجلس التشريعي الفلسطيني الأول عام 1923.
على صفحتها الأولى، روّست صحيفة فلسطين (إحدى أهم المراجع في الصحافة الفلسطينية)  خبر عنوانه مقاطعة الانتخابات للمجلس التشريعي الفلسطيني الأول، إذ ذكرت الصحيفة أن البرقيات القادمة من جميع أنحاء فلسطين تذكر وتنبه على مقاطعة المشاركة بالانتخابات ؛ سواء بالاقتراع أو الترشح لها. واقتبست الصحيفة تصريحًا للسيد جمال بيك الحسيني يقول “فشلت الحكومة فشلًا تامًا بالانتخابات؛ في المناطق التي تحاول فيها الترشيح وفي المناطق الأخرى المقاطعة مضمونة. لم يظهر في الأمة مرتد. ليحيى الاتحاد التام”.

وكانت النتيجة هي المقاطعة الشاملة للإنتخابات، حيث عنونت ذات الصحيفة خبرًا بعنوان “عيد الأمة باتحادها وفشل الانتخابات وقدوم الوفد” وقد كتبت “نعم، فشلت الحكومة”

مع أم ضد راغب النشاشيبي؛ صراع على عرش رئاسة البلدية 
لقد كان راغب النشاشيبي شخصية قد تضاربت المواقف حولها، فمن جهة هو قد أصبح رئيس بلدية القدس بعد نجاحه بالبقاء مدة 14عامًا في سدة رئاسة البلدية، ومن جهة أخرى دخل في ملاحم سياسية ضد العديد من الجهات؛ سواء كانت الحركة الصهيونية أم الأحزاب السياسية الفلسطينية الأخرى. وهذا ما أدى بشكل أساسي إلى خسارته لمقعد رئاسة البلدية بانتخابات عام 1934 على الرغم من قوة حملته الانتخابية آن ذاك.
لقد كان المنشور الانتخابي أحد الوسائل المهمة واللازمة لإيصال صوت المرشحين، ولكن هذا لا يعني أن جميع المنشورات هم من قاموا بعملها، بل في بعض الأوقات عند رغبة إحدى الجهات دعم مرشح دون الآخر أو مهاجمة المتنافسين كان يتم أيضًا استخدام المنشورات كسلاح سياسي. وهنا، نأخذ حالة انتخابات بلدية القدس كمثال على ذلك.
في هذا المنشور، والتي تحتفظ فيه المكتبة الوطنية ضمن مجموعاتها، يقوم شخص اسمه زهدي الأيوبي بتشجيع الناس على انتخاب راغب النشاشيبي وكان عنوان المنشور “أيها الشعب الكريم، لا نريد غير هذا أن يكون رئيسًا”.

أما المنشور الآخر، فكان عبارة عن بيان قام بإصداره السيد محمد شاكر الحسيني مدافعًا عن راغب النشاشيبي في وجه منتقديه ومشجعهم على انتخابه بالقول “واذكروا أن سعادة راغب بك النشاشيبي هو أول من دافع ويدافع عن حقوق البلاد ويعمل لوجه الله والوطن غير طالب مركزًا ولا جاهًا فانتخبوا”

مثلما يوجد مناشير مؤيدة هنالك مناشير معارضة بل ومتهجمة، وراغب النشاشيبي لم يسلم من ذلك أيضًا. كما في المنشور اللاحق، والذي تهجم بشكل شخصي على شخص راغب النشاشيبي، والذي قام بنشر المنشور هو منيف الحسيني والذي كان صاحب امتياز والمحرر المسؤول جريدة الجامعة العربية. كان منيف الحسيني محسوبًا على منافسي راغب في كرسي رئاسة البلدية. فعنون منشوره بالقول “الحق مؤيد بإذن الله، فشل راغب النشاشيبي المريع”. وقد تم نشره في ملحق جريدة الجامعة العربية.


في النهاية، يشهد تاريخ البلاد على العديد من العواصف والأزمات السياسية، وبالتحديد في قضية الانتخابات، فهي قضية قديمة جديدة لكن، يبقى الموقف منها مرتبطًا بالمشاعر الوطنية والحزبية والاجتماعية والعائلية.
مهما كانت درجة التباين والاختلاف، يجب احترام حق كل شخص؛ سواء كان مقترعًا أو مرشحًا أو مقاطعًا.

حين تكلمت فلسطين… بعيون أنيس تشارلز حداد

يعد ألبوم أنيس حداد كنزاً بصرياً مهماً للباحثين المهتمين

لا نعرف الكثير عن حياة أنيس تشارلز حداد، المعلومات القليلة المتوفرة هي ما جاءت في مطالع كتبه، إذ يظهر أنه سوري الجنسية، درس في جامعة القدس واستقر فيها، وخلال إقامته وثّق البلاد، وعلى وقع تجربته كتب كتابيه باللغة الإنجليزية: “فلسطين تتكلم” عام 1936 (Palestine speaks) والكتاب الثاني “من المهد إلى العرش” عام 1939 (From His Cradle to His Throne).

​​ ​

وبغض النظر عن مضمون كتاب حداد وما تقوله فلسطين، لكنه ما تراه يظل مهماً، ففي ألبومه، تعقب حداد فلسطين من خلال الرواية الدينية وعلى مدار أكثر من ثلاثمائة صفحة ألصق الصور والمشاهد الطبيعية التي صورها بنفسها.

توثق صور حداد مناطقة مختلفة في فلسطين، إذ تأتي الكتابة على شاكل رحلة من خلال الصور تصور مسيرته في ربوع البلاد.

يصور حداد ما تنمر به عينه، وفي الكثير من الأحيان يضيف الملاحظات والتوضيحات، كالصورة أدناه والتي توثق احتفالات الرقص بالسيف في احتفال عيد النبي روبين.

إن قيمة ألبوم أنيس حداد هو في تنوعه وثرائه وتصويره للحياة اليومية كما عايشتها كافة طبقات المجتمع، والتي تُعد كنزاً بصرياً مهماً للباحثين اليوم.

للاطلاع على الألبوم​ من داخل مبنى المكتبة>>​

نكاد لا نعرف شيئاً عن أنيس حداد، لا عن ولادته ولا عن وفاته، ولا عن وظيفته أو قصة حياته، لكننا نعرف العالم الذي رسمه لنا من خلال صوره التي لا تزال حتى اليوم وحتى الغد تشكل مادة مهمة للأماكن التي زارها وللظروف التي عايشها.